الأحد، 14 فبراير 2010

متقاعد الروح


متقاعد الروح

موسى سعيد: فقد تقاعد.

كل شهر، يزور وكالة بنكه لسحب أجرة تقاعده. ليس كون المبلغ ضعيف ويقعد به دون حاجاته، إلا أن مبلغا مضاف إلى مبلغ، يكفي لتغطية نفقاته. تقاعد موسى لا يعد بشيء استثنائي؛ يلزم؛ في أيامنا هذه، الكثير من المال لإنجاز أشياء قليلة. ومع ذلك، فموسى يتشبت بقوة بوضع المتقاعد الذي هو فيه؛ لاشيء في الدنيا سيجعله يغيره.

وبالفعل، بعد مرور أيام قليلة جاء أحد أصدقاء موسى القدماء لزيارته. كان لهذا الصديق اقتراح مغري يقدمه لرفيقه القديم في العمل: منصب استحدث لموسى، ويأخذ في الحسبان مهاراته الخاصة. كان لهذه الوظيفة ميزة أخرى: أجرتها المرتفعة. كان الصديق متأكدا من أن موسى سيقبل. إضافة إلى كل ذلك، فموسى مايزال في صحته الجيدة وإذا ما رغب في ذلك، فإن عدد المشاريع التي يمكن أن ينفذها في الورشة مهم.

هكذا، فوجئ الصديق برفض موسى. و قام هذا الأخير بشرح الأسباب: هو مكتف بتقاعده الهزيل وينتظر مرور الوقت.

في المجال الروحي، نحن جميعا موسى.

إن الله يمنحنا المدة الذي يريدها ليدعنا في سوق العمل؛ ذلك يسمى مدة الحياة.

أثناء حياتنا، تكون لدينا كل الإمكانيات لنكون عمالا فعالين. إن أعمارنا بيد الله، و حق أن صحتنا تضعف في الأغلب مع التقدم في السن. فطالما أننا نرغب في العمل فإننا لسنا معرضين للطرد.

مع ذلك، يحدث لنا أن نعتبر أنفسنا كمتقاعدين. ينقصنا الطموح الروحي ونرضى باليسير. ياللأسف.

ينتظر الله إرادتنا في عبادته بكل ما أوتينا من عزم، برغبتنا كلها. إن تلقى عنا أن " الحد اليسير من العبادة" هو كل ما نستطيع أن نتوجه به إليه، فإنه في المقابل، سيمنحنا اليسير من فضله.

ذلك يشبه أبا يفقد (فقد؟) الأمل في إمكان أن يرى ابنه ينتهي من التصرف بكيفية كارثية. فالأب يحب ابنه دوما، لكن كان ينتظر بفتور يزيد يوما بعد يوم، ثم – بما أنه لم يره يبدل جهودا كي يتحسن- كانت مساعدته له كلما كان الإبن في أمس الحاجة إليها، تقل مع مرور الأيام.

إن أسوء ما يمكن أن يحل بنا هو أن نرى الله يبتعد عنا. نحن محتاجين إلى الحضرة الإلهية بالقدر الذي نحتاج فيه الهواء كي نحيا. إذا تخلى عنا الله – حتى ولو بصفة مؤقتة- نفقد تلقائيا حيويتنا، تلك التي تميزنا عن الحيوان.

إذا نحن رغبنا في رفع القليل القليل من رغبتنا في أن نكون بشرا، يلزمنا البدء في التصرف كبشر. إن الروحي مرتبط بالأنسان ، لا بالحيوان ولا بالنبات. فإذا ما وضعنا حياتنا خارج هذه الدائرة، فإننا نقترب من حال الحيوان.

يلزم ألا نكون متقاعدي الأرواح. لنتوجه إلى الله بأن يعيننا على محبته، وأن يقربنا منه.

Share/Bookmark

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق