الأحد، 29 أغسطس 2010

رؤيا واضحة

(F. Cupillard)

إن امتلاك رؤيا واضحة تعني القدرة على تأكيد – دون أدنى شك – الطبيعة البحت لما نراه. سواء تعلق الأمر بشيء محسوس ( شخص، شيء، منظر طبيعي...) أو مجرد ( استيعاب مفهوم، الإحساس بمشاعر شخص آخر، استشعار كذا...)، فالشخص الذي يستطيع تحديد هذا الشيء بالدقة المتناهية، يملك رؤيا واضحة.

إن القدرة على التمييز بين الخير والشر تتوقف على قدرتنا على امتلاك رؤيا واضحة. وبما أن كلا منا يرعى مصلحته، فإن حظوظ استحالة وجود شخصين يمتلكان التحديد نفسه للخير والشر فيما يتعلق بمختلف المظاهر التي تشكل حياتنا لجد متوفرة. وبتعبير آخر، في غياب الاختلاف تنتفي الخلافات. هذا ما يسمح لنا بإدراك القليل ضآلة الانسجام الحاصل بين الرجال – والنساء- فيما يتعلق بالتحديد الخاص بالخير والشر.

فإذا ما انتفى من الدنيا من يمتلك ما يكفي من الغرور كي يعلن بأنه – هو وحده – من يمتلك التحديد الدقيق، لوجب الاعتراف بأن بحثنا عن الحقيقة المطلقة يصير غير ذي جدوى و النزاعات بلا نهاية.

في المقابل، إذا ما ادعت قوة عليا- متعالية عن الفهم البشري- هذه الحقيقة البالغة الكمال، فهذا يعني بأننا نستطيع الاقتراب من الحقيقة المطلقة و أن نتمنى الموت أقل جهلا مما ولدنا عليه. هذا الطريق ينبغي سلكه والشرط كي نمضي عليه قدما إلى الأمام هو التواضع: أن نقبل بمحدودية فكرنا.

فاذا ما وجدنا المرشد المثالي الذي يرشدنا على هذه الطريق ،و الذي– رغم كونه من لحم وعظم – قد بلغ مستوى روحيا من غير الممكن أن يبلغه أي كائن بشري غيره، فلا ينبغي فراق هذا المرشد أبدا. بل حري بنا التماس أن يمد لنا يده وألا تضعف إرادتنا، بغض النظر عن الطريق التي يدلنا عليها.

لما كان اليهود يستمعون إلى موشي (موسى)، فإن كل من كان يؤمن به كان يتبع نصحه، حتى وإن كان يناقض المشيئة الإلهية. إن الإيمان، في هذه الحال، يدل على اليقين بأن الله، في النهاية، سيجيز أمر الحكيم. في غياب هذا الإيمان، أصيب شعب إسرائيل بأسوأ المحن. إن الذين أخرجوا العجل الذهبي، (قوراه) وزبائنه المزيفون..كلهم شركاء في الإثم: إثم أنهم، بذلك، قد أصابوا الرأي.

إن التحلي بالإيمان، هو التسليم بأننا لا نعلم شيئا،و لا نفهم شيئا. من جهة، يجب استعمال وظائفنا العقلية في حدود قدراتنا القصوى في المجالات المتاحة لنا. ومن جهة ثانية، ينبغي التسليم أيضا بأننا لا نملك أي فهم فيما يتعلق بالمجالات التي تتجاوز الفهم البشري. إن الثقافة الغربية تود أن تجعلنا نعتقد بأن موقفا كهذا يوحي بالشرك. يا له من جنون. يا له من هراء.

يا مالك الملك، أعني على نسيان ذاتي. أعني على الاعتراف بضعفي على فهم ما ينشئ حياتي. أعني على أن أحيا طبقا لإرادتك، اتباع سبيلك. لو أن لي القدرة على الإنصات لروحي و الإعراض عن طواغيت جسدي. أن أدع روحي تتحدث – أن أتجاهل جسدي - إلى الحد الذي استوجب فيه أن أوخز كي أحيا. آمين


Share/Bookmark